الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعـد:
أيها الأحبة: إن الفراغ السائب سبب لكثير من الأمراض الجسمية والنفسية الحسية والمعنوية فحق على كل مؤمن أن يأخذ بما أمر الله به وبما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم: "اغتنم خمسا ً قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك".
أيها الأحبة: إن كيفية قضاء الإجازة الصيفية أمر يحتاج إلى نقف معه عدداً من الوقفات.
الوقفة الأولى: مع الشباب ذكوراً وإناثاً.
أيها الشباب: أنتم عماد الأمة ورصيدها وذخرها وسر نهضتها وبناة مجدها ومستقبلها فبصلاحكم واستقامتكم تصلح الأمة وتستقيم ومن أهم عوامل تحقيق صلاحكم واستقامتكم وعيكم بواجبكم وملؤكم أوقاتكم بالنافع المفيد وهاأنتم أيها الشباب تستقبلون إجازتكم الصيفية فإياكم والفراغ والبطالة فإنهما أصل كثير من الانحراف ومصدر أكثر الضلال كما قال الأول:
إن الشباب والفراغ والجده مفسدة للمرء أي مفسدة
فاملئوا أوقاتكم في هذه الإجازة بالنافع والمفيد في دين أو دنيا ولا تتركوها نهباً لشياطين الإنس والجن وقد يسَّر الله تعالى لكم في هذه الأزمان قنوات عديدة تستغلون من خلالها أوقاتكم وتنمون قدراتكم وعلومكم ومعارفكم بل وإيمانكم فمنها حلق القرآن الكريم المنتشرة في المساجد فإنها من رياض الجنة وفيها خير عظيم، ومن هذه القنوات التي تحفظون بها أوقاتكم تلك الدروس العلمية والدورات التي تقام هنا وهناك وفيها يتعلم الشاب ما يجب عليه معرفته من علوم الشريعة والدين، ومن هذه القنوات أيضاً المراكز الصيفية التي يشرف عليها أساتذة فضلاء ومربون نجباء، يعملون على إشغال أوقات الشباب بما يفيدهم وينفعهم ففيها من الأنشطة الترويحية والمهنية وفيها الدورات العلمية والثقافية فاحرصوا أيها الشباب على الانضمام إليها والاستفادة منها فإن فيها خيراً كثيراً، وغالب المشتركين فيها هم أهل الخير والصلاح من الشباب فإذا أبيت هذا فاحرص على شغل وقتك بتجارة أو زراعة أو صناعة تملأ وقتك وتحفظك من شرور الفراغ وأهله فإن نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل ولابد. وإياك أخي الحبيب ورفقة السوء وقرناء الشر الذين يزينون لك المنكر ويدعونك إليه ، ففر منهم فرارك من الأسد.
الوقفة الثانية: مع أولياء الأمور من الآباء والأمهات
نقول لهم: أيها الأفاضل إن منن الإله على العباد كثيرة وأجلهن نجابة الأولاد وحملكم الله تعالى مسؤولية تربيتهم وحفظهم، وتنشئتهم على العبادة والطاعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه".
فما تقومون به اليوم من حسن التربية والرعاية والحفظ والصيانة لفلذات الأكباد تجنون به ثواباً وأجراً عند الله في الآخرة وبراً وإحساناً في الدنيا، وقد كلفكم الله وأمركم بحفظهم ووقايتهم، قال تعالى
يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة )(التحريم:6) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولية عن رعيتها".
فمحافظتك على أولادك ورعايتك لهم والاجتهاد في إصلاحهم وإبعادهم عن الفساد وأهله مقدمة ضرورية لاستقامتهم وصلاحهم،
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه
فالأب الذي أدار ظهره لأولاده وبيته فلم يجلس فيه إلا ساعات قصاراً من نوم أو أكل وقد أخذت مشاغله بتلابيب قلبه وشغلت لبه وقلبه فلم يلتفت لأولاده ولا لتربيتهم وإصلاحهم هل قام بما أوجب الله عليه؟! والأب الذي ترك الحبل على الغارب لأولاده ذكوراً وإناثاً يخرجون متى يشاءون ومع من يريدون، يسهرون إلى الفجر وينامون أكثر النهار ويصاحبون أهل السوء ويهاتفون أهل الشر، هل قام بحفظهم ورعايتهم؟! والأب الذي أدخل إلى بيته وسائل الإفساد والدمار وامتطت صحون الشر وأطباق البلاء صهوة بيته وانتشرت مجلات الشر وأشرطة الخراب في حجَر أولاده، هل قام بتنشئة أولاده على البر والتقوى؟!
إن الجواب على هذه الأسئلة هي ما تراه من أحوال أبناء بعض المسلمين ،وإنا لله وإنا إليه راجعون.
فيا أولياء الأمور اتقوا الله فمن استرعاكم الله إياهم. مروا أولادكم بالمعروف ورغبوهم فيه وانهوهم عن المنكر ونفروهم منه. احفظوهم عن قرناء السوء وأصحاب الشر، أبعدوهم عن وسائل الإعلام الفاسد، اشغلوا أوقاتهم في هذه الإجازة بما يعود عليم بالنفع في دينهم ودنياهم، وبادروا بذلك كله في أوائل أعمارهم فإن الأمر كما قيل:
إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ولا تلين إذا قومتها الخشب
الوقفة الثالثة: مع أولئك الذين قد شدوا حقائبهم وأعدوا أمتعتهم وحجزوا مراكبهم للسفر إلى بلاد الكفر والبلاء ومواطن الفتنة العمياء في الغرب أو الشرق وما شابهها ... إلى هؤلاء نقول: اتقوا الله في أنفسكم وأهليكم فإن السفر إلى تلك البلاد محرم لا يجوز لما فيه من تعريض النفس والأهل والولد للفتنة التي أعلاها الكفر بالله تعالى، وأدناها موافقة المعاصي والذنوب أو على الأقل استساغة المنكر والفجور فإن تلك البلاد والمصايف قد خلت قلوب أهلها عن الإيمان وانسلخت أجساهم عن زيِّ أهل الحشمة والحياء والإسلام وانتشرت بين أهلها الخمور وظهر الزنا والخنا فعد المنكر معروفاً والمعروف منكراً، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
الوقفة الرابعة والأخيرة: هي مع ورثة الأنبياء من العلماء والدعاة وطلبة العلم فنقول لهؤلاء: إنكم من عقدت الأمة عليكم آمالها بعد الله عز وجل ورنت إليكم بأبصارها وهوت إليكم بأفئدتها، إن المسؤولية التي أنيطت بكم وألقيت على كاهلكم في توجيه الناس وتربيتهم ودعوتهم وتبصيرهم أعظم من غيركم لا سيما في هذا الزمان الذي كثر فيه الباطل والفساد ونفقت فيه سلع أهل الكفر والإلحاد ونشط دعاة التغريب والإفساد وقويت فيه أسباب الزيغ والانحراف. فالأمة مهددة بحجافل هؤلاء المفسدين المتربصين الذين يجرون الناس إلى الفساد جراً، ويأطرونهم على الكفر والفسوق والعصيان أطراً. فواجبكم إزاء هذا الواقع المفزع المرير كبير وخطير، ولا يسوغ لكم التخلي عنه ولا الرجوع عنه. فسابقوا أعداءكم واعملوا بجد واجتهاد في الدعوة إلى الله تعالى واسلكوا كل سبيل شرعي لنشر الخير بين الناس. علموا الجاهل، وأرشدوا التائه، ودلو الحائر، مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، حذروا الناس من الفساد والعصيان، عرُّوا لهم الباطل واهتكوا ستره واكشفوا زيفه، واجهوا الغارة الشعواء التي يشنها خصوم الإسلام وأعداؤه بالعلم والبيان والدعوة والصبر والإيمان. قاوموا وسائل التدمير والإفساد بوسائل البناء والإرشاد، والدعوة والصبر والإيمان. وانشروا الكلمة الطيبة، والمحاضرة النافعة، والكتاب المفيد، أقيموا الدروس والكلمات في المساجد والأحياء والمجتمعات والملتقيات. واحفظوا أوقات شباب المسلمين.
والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله، والحمد لله رب العالمين.