الإصـلاح الـذي نأمله للأمـة سياسي أم حضاري ..؟؟
إن المتأمل في حال الأمة اليوم يجد أن هناك أصواتا ، وأفكارا ، وأقلاما ، ورؤى إصلاحية عديدة تهدف جميعها إلى تغيير الواقع المتردي الذي تعيشه أمتنا اليوم ، كما وتسعى هذه القوى الإصلاحية إلى تجويد هذا الواقع وتطويره إلى الأفضل ، وقد تختلف أساليب , ووسائل , ورؤى , ونظريات هذه القوى الإصلاحية نحو التغيير والإصلاح ، غير أن الواقع يفرض علينا أن نتساءل :
• أي إصلاح تريده الأمة ؟
• وأي تغيير يجب أن نسعى جميعا لتحقيقه ؟
• وهل ضماد جراح الأمة تكمن في إحداث تغييرات سياسية اقتصادية ؟
• أم إحداث تغييرات حضارية وفكرية ؟
إن الفرق بين طبيعة النوعين بين و شاسع ، فالتغييرات السياسية في أي من المجتمعات قد تحدث فجأة وبين عشية وضحاها ( سقوط نظام صدام حسين ) ، وقد تحدث بسبب انتصار حربي , أو بسبب تغيير أشخاص ذو فاعليه سياسية كبيرة ، أو ثقل دولي , أو بسبب ضغوط اقتصادية ، أو حربية ، أو نفسية ، لهذا أو ذاك من الأسباب ، وبمقدار السرعة التي تنتج عنها التغيرات السياسية ، والاقتصادية ، بمقدار ما تكون سرعة زوال أثرها أيضا ( سقوط الاتحاد السوفيتي ، والنظام الشيوعي ) بحيث تبدو الأمور حين تزول أسباب التغيير السياسي ، أو الاقتصادي ، وكأنه لم يكن شيئا ، وسرعان ما تعود ريمه إلى عادتها القديمة.
أما التغييرات الحضارية ، أو الفكرية ، فهي لا تتم بهذه السرعة مطلقا ، بل غالبا ما تأخذ أوقاتا طويلة , وأزمنة عديدة ، حتى يتسنى لها التجذر، والرسوخ ، في واقع حياة الأمة ، وقد لا يتسنى لمن بذر البذرة في هذه الحالة أن يرى الثمرة ولكن غالبا ما تحقق نتائجها في أجيال لاحقة ، وغالبا تكون آثارها طويلة وممتدة .
و من أبرز طبيعة التغييرات الحضارية ، أنه يصعب اقتلاع آثارها من جذورها بسهولة إلا بعد مرور أوقات طويلة , وأزمنة عديدة أيضا.
ومن طبيعة التغييرات الحضارية ، والفكرية ، أنها دائما ما تصطدم بمحور العادات المألوفة , والتقاليد المعهودة ، والثقافات الموروثة , والعقائد الفاسدة التي تربت عليها الأجيال على مر العصور.
ومن ثم فان محور العادات ، والتقاليد ، محور نزال خصب لم تهمله أي من القوى الاستعمارية عبر تاريخ الفكر الاستعماري الطويل مع أمتنا، فكل قوى الشر لما حاولت السيطرة على أمتنا سخرت كل إمكانياتها ، وبذلت الغالي ، والنفيس ، من أجل السيطرة على محور عادات الأمة وتقاليدها ، وأخذت تهزم الأمة في عادتها ، وتقاليدها الأصيلة ( حجاب المرأة ). وعملت على اجتثاث هذه العادات وهذه التقاليد من جذورها , وزرعت العديد من العادات والتقاليد الممسوخة والتي ساهمت في تمييع شخصية الأمة وبالتالي إضعافها ليسهل السيطرة عليها .
لذلك يجب أن يعي المصلحون الدعاة ، والمثقفون ، والإعلاميون ، والمربون ، في مجتمعنا هذه الحقيقة ، كما ويجب أن يعي الجميع أن مجموعة العادات ، والتقاليد ، التي تسربت إلى وعى الأمة - المغيب خلال فترات ضعفها - كانت وما تزال هي اكبر حائط صد يعوق نهضة أمتنا اليوم , كما كان عائقا في وجه أنبياء الله ، ورسله في الماضي ، فمنذ أن حاولوا تغيير هذه العادات البالية ، والتقاليد المعيقة لآدمية الإنسان كما يريده مولاه , واجهوا الرد المشهور من أقوامهم : {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} المائدة -104
فعلى كاهل شريحة الصفوة المستنير ة في المجتمع تقع أكبر المسؤوليات , وأعظم والتبعات في سبيل تخليص أمتنا من العادات ، والتقاليد التي غزت مجتمعاتنا ومسختها , وميعت شخصيتها ، و أضعفت مقوماتها , وفي الوقت نفسه عززت – وما زالت تعزز حتى اللحظة - موقف أعداء الأمة .
إن كل من يتصدي لإحداث تغيير حضاري ، فكري ، في مجتمعنا عليه أن يعلم أن مؤشر نجاحه ، إنما يكمن في قدرته على اقتحام محور العادات ، والتقاليد ، والسيطرة عليه , والعمل على تغير الأعراف الفاسد ة , واستبدالها بأعراف أصيلة ، مفيدة ، تعود بمردود إيجابي على الإنسان كما يريده الله سبحانه وتعالى .
إن الأخذ بيد الأمة صوب تحقيق الإصلاح الحضاري ، والفكري ،هو الأمل والتحدي الذي يجب أن يقتحمه كل من أراد لهذه الأمة أن تسعد ، وتعود ، لتسود ، وتقود العالم من جديد .