سمح له بالسفر إلى ليبيا بشرط عدم مهاجمة مصر
*زوجته المصرية "ليلى موسى" تقول:
في أثينا ؛ قال زوجي للسفارة الإسرائيلية : أريد منكم "ميكروفونا" فقط ؛
فأعطوه برنامج "ابن الريف"..!
"يوسف سمير" ، صحفي مصري لجا لإسرائيل عام 1968, فغير اسمه من "يوسف سمير" إلى "نبيه سرحان" و أسماء أخرى , و تابع الملايين من الشعوب العربية برنامجا إذاعيا كانت تبثه إسرائيل و موجه ضد مصر و الدول العربية الأخرى بعنوان" ابن الريف", و الجميع يذكر حتما أول الكلمات التي كانت تبث في ذلك البرنامج الموجه: "إخواني يا ولد مصر الطيبين……" ابنة الصحفي المصري مطربة إسرائيلية "حياة سمير" ومعه زوجتان , الأولى مصرية "ليلى إبراهيم موسى" عايشت معه رحلة الهروب من مصر إلى إسرائيل و الزوجة الثانية فلسطينية من مدينة " حلحول" "عناد رباح" عايشت معه رحلة أخرى في إسرائيل..!
و قصة " ابن الريف" غريبة..مثيرة..يصعب توقعها إلا في أفلام " الحرب السرية" الغامضة , و لكنها حقيقة عاشها صحفي مصري , اختفى 10 سنوات في إسرائيل تحت أسماء مختلفة و قال عن نفسه بأنه يهودي من اصل ليبي, حتى زيارة السادات للقدس , عندما وقف أمام الرئيس المصري الراحل السادات في مطار "بن جوريون" و قال له: أنا هنا في إسرائيل خلف الميكروفون".
و يقول في مقدمة كتابه الأخير " نبيه سرحان معهم في الغربة" أيضا: "و تجدني أنا المصري القاطن بين طرفي النزاع و على حدود مستوطنة جيلو..بيت جالا , أشاهد بأم عيني , ليل نهار, نيران المدافع الثقيلة و الدبابات و الصواريخ و المروحيات العسكرية , ترمي بحممها سكان المدينة, بسبب بعض الطلقات من بنادق خفيفة لا تؤثر على الجانب الآخر, و تقابل هذه الطلقات بأقسى الوسائل من إغلاق و حصار للمدن الفلسطينية , و التي تساعد على خنق البقية الباقية حتى من أنفاس السماء, و جثامين تشيع من الجانبين, في كل لحظة , لحظات الألم و المعاناة , من شعبين قدر عليهما أن يعيشا معا , و أنا و زوجتي داخل بيتنا في منطقة "بيرعونا", في هذه الظروف , وجدتني ابحث عن لقاءاتي مع اخوتي من المغتربين في آخر زياراتي للولايات المتحدة الأمريكية لاضعها في كتاب آخر".
الزوجة المصرية لابن الريف ليلى إبراهيم موسى:
عندما وقعت حرب حزيران 1967 كنت متزوجة من "يوسف سمير " منذ أسبوعين , و شارك في الحرب كمتطوع من الجيش الشعبي, و كنا نسكن في حي "روض الفرج" في منزل خاله , و اذكر تلك المرحلة المؤلمة , بعد النكسة فقد تحولت القاهرة لمدينة أشباح , الجميع صامت و السواد في كل مكان, و استشهد في الحرب أعداد كبيرة من المصريين, و انتظرت عودته و لم يرجع , و مرت الشهور, و اعتقدت بأنه استشهد في الحرب , و بعد تسعة اشهر و عند الساعة الخامسة صباحا , جاء المنزل والدي حيث , حيث عدت لمنزل الأسرة طبعا في تلك الظروف , و كان عمري 14 عاما, و سمعته يقول لوالدي بأنه كان في سجن " أبو زعبل " بمصر, و اخذ يتحدث عن اعتقاله , و كان آنذاك يكتب قصائد شعر و مقالات لإذاعة الشرق الأوسط المصرية , و عندما اندلعت الحرب كان في منطقة القنطرة , وزارهم في الموقع مذيع من الإذاعة,فتحدث "يوسف سمير" و قال: "قل لأحمد سعيد إننا مهزومين, و أن يكف عما يذيعه في الإذاعة من بيانات غير صحيحة, أن ما نسمعه في الإذاعة هو فضيحة".
و عندما سمع قائد الموقع كلامه , أمر الجنود بان يغمضوا عينيه , و اقتادوه للسجن , و بقى في السجن تسعة اشهر دون أن يتمكن من إبلاغ ذويه , و بعد عودته , توجهت معه للقاهرة لمنزل خاله حيث كنا نسكن, و كان " يوسف" يائسا جدا , فوجد خاله قد باع أثاث منزلنا , و استولى على البيت و قال له :" لا بيت هنا".
فاضطررنا أن نتوجه للسكن في فندق متواضع جدا , و لم يكن معنا نقود , و اخذ يبحث عن عمل , دون جدوى , حتى وافقت مطيعة على طباعة ديوان شعر له , و طبع له , و لكن الأمن المصري صادر الديوان , فأصبحت الحياة مستحيلة و الأبواب مغلقة , فقرر أن يخرج من مصر, فسارع باستخراج جواز سفر مشترك له و لي أيضا , و قررنا السفر إلى ليبيا , في أوائل العام 1968, و كنت حاملا بابنتي "حياة ", و أسرعنا بالسفر برا إلى ليبيا , خوفا من أن يوضع اسمه في الحدود على القائمة السوداء , و كان يفترض عند نقطة الحدود في السلوم أن يتم التدقيق , فنزلنا من السيارة عند منتصف الليل , و نحمل حقائبنا , و مشينا في طرق بعيدة, حتى الساعة الثامنة صباحا, لتجاوز التدقيق الأمني المصري, فوصلنا لاخر نقطة مصرية حدودية, فرفضوا مرورنا , و طلبوا منا العودة لنقطة الأمن السابقة لختم الجواز , و توسلنا إليهم , و عندئذ أرسلوا معنا سيارة لإيصالنا لختم الجواز, و هناك وجد اسمه ضمن القائمة السوداء ممنوع من السفر, فعدنا إلى القاهرة , بعد رحلة العذاب تلك بدون جدوى.
و بعد عودتنا للقاهرة , كان " يوسف " محبطا للغاية , و بعنا كل ما نملكه و هي أشياء بسيطة و باع ساعة يده, و اصطحبني معه إلى مكتب مسؤول مصري كبير و هو " شعراوي جمعة ", و دفعنا مكتبه و سمعت حوارا بينهما غريب جدا , فقد كان " يوسف " أو " نبيه سرحان " غاضبا جدا , و قال لشعراوي جمعة: "لقد حاولت أن اترك مصر لكم , و لكنكم رفضتم السماح لي بالخروج , لماذا؟ أنا اترك لكم مصر, افعلوا كما تريدون, و اتركوني لشأني".
فتدخل سكرتير شعراوي جمعة لإسكات " نبيه سرحان " زوجي , فاسكته " نبيه " ووجه الحديث لشعراوي جمعة: " أنني لا املك أي شيء, تستطيع أن تفعل بي ما تشاء , اعتقلني , اقتلني, و لكن أريد أن أخبرك , يوجد في جيبي 20 جنيها فقط, سأنزل و اشتري مائة متر قماش و اكتب عليها " يسقط شعراوي جمعة " و اقف بجانبها اسفل مكتبك في الشارع".
و رد جمعة: " انك تتهجم علي, و انك تريد السفر للخارج لتهاجم مصر و لن نسمح لك بذلك".
و بعد حوار و نقاش ساخن , غير شعراوي جمعة من موقفه و قال اسمح لك بالسفر بشرط أن تتعهد بعدم مهاجمة مصر ووافق " نبيه سرحان" على ذلك ووقع على تعهد.
و اخذ جواز السفر من جمعة , و قاله إنني سأذهب إلى لبنان كي اطبع كتبي لدى نزار قباني فأنا اعرفه و سيساعدني في ذلك".
و أضافت " ليلى موسى " :" و عدنا و سافرنا مجددا إلى ليبيا , و رفع الحظر الذي كان موجودا على سفر زوجي , و دخلنا ليبيا بشكل طبيعي , فتوجه زوجي و طلب مقابلة الملك السنوسي , و حمل معه كتبه و مقالاته , و اصطحبني معه و كنت حاملا , و حالتي الصحية متعبة , و أخذني حتى يتأثر الملك السنوسي لوضعنا البائس , و دخلنا على الملك , و رحب بنا , و قال زوجي للملك السنوسي:لا مكان لي إلا هنا , و زوجتي حالتها الصحية سيئة , و لا نقود معي ، فقال الملك السنوسي: " أنت كاتب جيد , و كتاباتك تقوا انك سياسي اكثر من اللازم , و علشان خاطر الست المريضة زوجتك , أوافق أن تكتب في جريدة " العلم " الليبية , في كل شيء تريده إلا السياسة لا , أنا على علاقة طيبة مع جمال عبد الناصر و مصر و لا أريد مشاكل مع أحد". و فعلا عمل زوجي في صحيفة" العلم" الليبية , و استأجرنا منزلا , و تحسن الحال , و لكنه لا يستطيع أن يبقى هادئا , فكتب مقالا في جريدة " العلم " الليبية أوصلنا لإسرائيل و هاجم في مقاله مصر , و كانت المخابرات المصرية آنذاك تتابع صحيفة " العلم " , فاحتجت مصر لدي الملك السنوسي , و خلال 24 ساعة أمر الملك السنوسي بطردنا من ليبيا , و تم إبلاغنا بقرار الإبعاد , و قالوا لنا:" لن نسلمكم لمصر, و اختاروا أي دولة أخرى تريدون الذهاب لها". و سافرنا بالطائرة من مطار ليبيا و لم تقبلنا أي دولة أوروبية و ننام في المطار ثم نعود لمطار طرابلس , و هكذا , حتى نفذت نقودنا , و قاموا في مطار ليبيا بجمع ثمن تذكرة سفر لنا من المسافرين , و آخر رحلة توجهنا بها إلى اليونان , و سمحت اليونان لنا بالدخول , و نحن في حالة يرثى لها , و أنا ما زلت حامل , و صحتي في تدهور بسبب الظروف التي واجهتها , و تطلب الأمر نقلي للمستشفى في أثينا , ثم خرجت من المستشفى , و مشيت مع " نبيه " مساء في ميدان بأثينا , و فجاءة تقابل زوجي مع دبلوماسي كوبي يعمل في السفارة الكوبية في مصر , و يعرفه " نبيه " فسلم عليه , و أعطاه الدبلوماسي عنوان الفندق الذي ينزل به , و ذهبنا إليه , و تحدث زوجي عن مشكلته , فقال الدبلوماسي الكوبي: " لن تقبلك أي دولة كلاجئ, لا دولة عربية و لا أفريقية إلا دولة عدو مصر".
و يبدو أن زوجي اصبح يفكر بنفس الاتجاه , و بدون علمي , توجه لسفارة إسرائيل في أثينا , و طلب مقابلة القنصل , و لحسن حظه , قابل القنصل الإسرائيلي "ايلي دويك", و هو يهودي من اصل مصري , و عاش فترة طويلة في مصر, و درس في الجامعات المصرية , أي انه وجد من يفهمه , و رحب به القنصل الإسرائيلي , و طلب زوجي اللجوء لإسرائيل , و قال للقنصل لا أريد منكم سوى " ميكروفون" و يقصد العمل الإذاعي".
و قالت زوجة الصحفي المصري:"طلب القنصل الإسرائيلي من زوجي , الانتظار حتى يأتي رد تل أبيب , فالمسالة ليست سهلة , و تأخذ وقتا , و جاءت موافقة مبدئية , ووضعه الإسرائيليون في أثينا على جهاز "كشف الكذب"..!
و تمت الموافقة لعدة شهور , و خلال تلك الفترة كان يرسل لإذاعة إسرائيل , أشعارا ومسلسلات درامية إذاعية , و في بداية العلاقة مع القنصل الإسرائيلي أعطاه الدبلوماسي الإسرائيلي 300 دولار لنفقاتنا".
و حول موقفها اتجاه اللجوء إلى إسرائيل قالت ليلى:" بعد أن ذهب للسفارة الإسرائيلية في أثينا , جاءني و ابلغني بما حصل فصعقت و ثارت ثائرتي , كيف تأخذني لإسرائيل , لمن قتلوا أبناءنا , هؤلاء الصهاينة القتلة , أنا أريد أن أعود إلى مصر مهما كان الأمر" فقال لي: " أنا لا أستطيع العودة لمصر, قرري ماذا تريدين , إما السفر معي لإسرائيل أو تعودي بمفردك إلى مصر" ؛ فوجدت نفسي أمام خيار صعب جدا , و في النهاية وافقت على الذهاب معه لإسرائيل , و لكن بقينا شهورا في أثينا و هنالك موافقة إسرائيلية لدخولنا إسرائيل , فماذا ننتظر؟ و بدأت ألح على زوجي , خاصة أنني على وشك الولادة , و اخذ من جانبه يضغط على السفارة الإسرائيلية , حتى تقرر سفرنا لإسرائيل و كنت في الأيام الأولى من الحمل بالشهر التاسع بابنتي" حياة ", و دخلنا إسرائيل , و أدخلوني المستشفى , و تمت الولادة , و عرضوا علينا الإقامة في " تل أبيب" فرفضت ذلك , و قلت للإسرائيليين إما أن نسكن في القدس أو نعود من حيث أتينا , فوافقوا , و منذ ذلك الوقت و نحن نسكن في هذه البقعة الطاهرة قرب المسجد الأقصى".
و ردا على السؤال لماذا اختفى زوجها خلف أسماء مزيفة قالت ليلى : " لقد اشترط علينا الإسرائيليون الصمت التام , و أن لا نقول أبدا بأننا مصريون خوفا على حياتنا و التزمنا الصمت 10 سنوات , و طلبوا منا أن نعرف على أنفسنا في المجتمع الإسرائيلي بأننا يهود من اصل ليبي , مهاجرون لإسرائيل , و بقينا بهذه الصورة حتى زيارة السادات للقدس. لقد صمت عشر سنوات كاملة , لم أتحدث و أنا منذ ثلاثين عاما و أنا أعيش على أمل العودة لمصر , أصبحت أعيش مثل الشعب الفلسطيني و الذي يحلم بالعودة لبلده.."
و حول لقاء زوجها مع الرئيس السادات قالت: " عندما جاء الرئيس الراحل السادات في زيارته التاريخية للقدس , ذهب زوجي" نبيه سرحان " إلى مطار بن غوريون كمذيع في الإذاعة الإسرائيلية , و هناك وجد زملاءه المذيعين و الصحفيين و غيرهم ممن يعرفهم , و قد اصبحوا في مراكز كبيرة مسؤولين أو إعلاميين ضمن الوفد المرافق للرئيس السادات, و كان اللقاء بينهم حارا و حميما , فلم يكن أي منهم يعرف انه في إسرائيل , كانوا يعتقدون انه في ليبيا , و صافح الرئيس السادات , فقال له الرئيس الراحل السادات: "أين اختفيت , كنا نعتقد انك في ليبيا , أنت سبقتني لإسرائيل".
و عندها سمعت الصحافة الإسرائيلية بالموضوع فكتبت خبرا صغيرا " مصري يكتشف عندنا في إسرائيل".
و ردا على السؤال إن كان الرئيس السادات وافق على عودتها و زوجها لمصر فقالت :" لقد استغل زوجي زيارة الرئيس السادات لإسرائيل , و طلب منه الإذن بعودتنا أو زيارتنا لمصر, فوافق الرئيس السادات , و رحب برجوعنا , فذهبت للسفارة المصرية و طلبت تأشيرة دخول , و بعد كفاح طويل لعام و نصف العام ؛ حصلت على الموافقة , و سافرت مع أولادي لمصر و بقي زوجي و لم يذهب معنا , و قضينا أسبوعين في مصر , و تجولنا في الأماكن السياحية و زرنا أقاربنا , و لكن الأولاد رفضوا العيش في مصر رغم إلحاحي عليهم , و آثروا العيش في إسرائيل , و جميعهم اصبحوا فنانين , فابنتي" حياة " مطربة , و ابني " سامي " ممثل , و البنات موسيقيا تدرسن جميعهن في الأكاديمية الموسيقية الإسرائيلية"..!