غياث الدين أبو الفتح عمر بن ابراهيم الخيام

غياث الدين أبو الفتح عمر بن ابراهيم الخيام


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في نيسابور عاصمة خراسان ومدينة العلم والمعرفة وفي منتصف ربيع عام 1048 ميلادية ـ حسب تقديرات المؤرخين ـ ولد
غياث الدين أبو الفتح عمر بن ابراهيم الخيام الحكيم والشاعر والفلكي وعالم الرياضيات الذي ظلت شهرته محدودة ومرتبطة بانجازاته العلمية ولم يكتشف العالم سر عبقريته الشعرية في رباعياته الا بعد سبعمئة وثلاثين عاماً من وفاته في نيسابور عام 1131 ميلادية
كان الخيام يجيد اللغة العربية ويكتب بها وبعض الدارسين يقولون انه عربي الاصل حيث انتشرت القبائل العربية شرقاً بعد الفتوحات الاسلامية ولهذا يقولون انه متأثر في شكل ما في رباعياته بشعر المعري الذي يسبقه بنحو خمسين عاماً
لكن من المعروف شهرة الخيام عالما اكثر من كونه شاعرا
تلقى الخيام علومه في نيسابور ثم رحل إلى سمرقند لمتابعة دراسة الجبر وبرزت موهبته في علم الفلك فاستدعاه السلطان السلجوقي ملك شاه لتعديل التقويم وكلفه ببناء برج فلكي في اصفهان حيث عمل فيه مع عدد من العلماء وجاءت جهوده العلمية لتكمل الجهود التي بدأها البيروني بعد وفاته وكانت انجازات الخيام في مجال الرياضيات أساساً لتطويرها في القرن التاسع عشر الميلادي فقد اوجد طريقة هامة لاستخراج جذور الارقام وعالج لأول مرة مسائل التكعيب في الجبر وتمنى ان يكمل الذين يأتون بعده الحلول التي وصل اليها وكان الخيام مشغولاً بالمسلمات الرياضية التي اثارت اهتمام العلماء العرب والمسلمين وشعر بأن نظريات اقليدس غير كافية في مجال النسبة وانجز نظاماً للأرقام أكثر اتساعاً من نظام الاغريق
ولكن ماذا عن رباعياته؟؟؟
استطارت شهرة عمر الخيام فجأة ، بعد أن كان واحداً من العلماء المسلمين في مجال الكشوف الجغرافية ورصد الكواكب فأصبح شاعراً خطيراً في مجال الدعوة إلى الانطلاق وذلك عندما نشر شاعر إنجليزي مجموعة من الشعر عام 1589 نسبها إلى الخيام هو فيتزجرالد ، وقد نقلت هذه القصائد الإنجليزية مرة أخرى إلى اللغة العربية وأذيعت وأوليت اهتماماً بالغاً فبلغ عدد من ترجموها إلى العربية أكثر من سبعة من الأدباء منهم البستاني والزهاوي ورامي والصافي النجفي والسباعي وأبو شادي ومحمد الهاشمي
وقد تبع ذلك اهتمام بالغ وتركيز أشد خطورة على اسم الخيام دفعاً لهذا التيار الجديد وتعميقاً له فصدرت طوابع البريد في مختلف أنحاء أوربا باسمه وصورته ، وأنشئت الأندية الليلية الصاخبة تحت لوائه ، وكتبوا اسمه على أطراف البطاقات (كارت بوستال) تعظيماً وتكريماً لقصائد التحلل والمجون المنسوبة إليه
وقد كان لهذا التيار أثره في التعريف بالخيام في نظر الشرقيين (عرباً ومسلمين) وشاعراً ماجناً عربيداً يدعو إلى اللذة ، وقد استمر ذلك وقتاً طويلاً حتى كشفت الأبحاث العلمية والدراسات الخالصة البعيدة عن كل زيف عن أن هذه الموجة كاذبة فعلاً وأن الخيام لم يكن هو قائل كل هذا الشعر الذي نسب إليه ولم يكن في حياته إنساناً خليعاً ولا داعية إلى إباحة
والقول الصحيح أن من وراء رباعيات الخيام هدفاً من أهداف التغريب والاستعمار، يقول السيد مبشر الطرازي الحسنى مؤلف كتاب كشف اللثام عن رباعيات الخيام : ( إن الإستعمار وجد في هذا العمل ولا سيما في إيران والهند أهمية خاصة ، وكان فيتزجرالد الشاعر الإنجليزي قد لبى الإشارة من قبل بعض الإنجليز فقدم للمستعمر خدمة تحت ستار الأدب العربي بترجمة تلك الرباعيات بصورة خلابة وضعها في كلمات إنجليزية جذابة بحيث تخلب قلوب الشباب الناشئ في الشرق ولا سيما الإيرانيين والهنديين منهم من حيث طلاوتها ومماشاتها مع الشهوات والنزعات النفسية ولما كانت هذه الرباعيات (منسوبة) للحكيم الكبير صاحب المكانة الرفيعة فقد خدع بها كتاب العرب وترجموها إلى لغتهم وأمطروها بالثناء ، والحقيقة أن (فيتز) قد خدع الشرق والشرقيين بهذه الخدعة السياسية الاستعمارية حيث تمكن من نشر هذه السموم بين أبناء الشرق والهند وإيران ودعاهم إلى تناول الخمور وملازمة السرور والغناء ومجانية السعي والعمل ضد العاملين والركون إلى الجمود والسلوك مسلك الكسالى وحثهم على الإباحية والزندقة والحرية المطلقة ، الأمر الذي دفع الشرق فيما دفعه إلى التأخر وجعله مستعداً لقبول تدخل المستعمر في مختلف شئونه
وقد بلغ الغربيون في تعريف صاحب الرباعيات (عمر الخيام) على ألسنة خطبائهم وأقلام كتابهم ومقدمات تراجمهم إلى حد أنهم شبهوه بأبيقور اليوناني وأبي العلاء المعرى ترويجاً لسوق الرباعيات وتضليلاً للشرقيين ولا سيما الجيل الناشئ ، وكان ذلك تنفيذاً لخطتهم السياسية ضد المسلمين تأكيداً لأغراضهم العدائية
ولا شك أن أدباء الغرب قد قاموا بترجمة هذه الرباعيات لأهداف سياسية وأغراض مذهبية وحرصوا على توسيع نشرها وتعميم تناولها بكل طريق ممكن حتى نشروها في قطعات كارت بوستال
والملاحظ أن المركز الثاني لنشر الرباعيات بعد لندن كان الهند ، حيث نشرت في عواصم دلهي ولاهور وكلكتا وبومبي ، وقال طالب في بعض المدارس في بومباي : إن هذا الكتاب يدرس في مدرستنا الثانوية ككتاب أدب انجليزي ، وكان ذلك سنة 1950 وقال : إن ترجمة فيتزجرالد الإنجليزية للرباعيات كانت مدرجة في برامج التدريس بجامعة بعلبك أعظم جامعات الهند
ثم قال السيد مبشر الطرازي : إنه ليس هناك من مصادر أكيدة تؤيد نسبة هذا الشعر إلى عمر الخيام ولا وجود لمصدرها الأصلي ، وإنما أسندت إلى عالم عظيم شرقي وحكيم فلكي بارع ومنجم لامع في الوقت نفسه الذي أغمضوا أبصارهم فيه عما ثبت عن الحكيم النيسابوري من مقولاته وآثاره التي تدل على ديانته وتمسكه بتعاليم الشريعة الإسلامية وحرصه على تطبيقها في كل شئون الحياة في العالم الإنساني
وقال : إن الغربيين لم يكرموا عمر الخيام بإنشاء ناد باسمه أو كتابة اسمه على أطراف البطاقات لمكانته في العلوم الرياضية وعلوم الفلك ، وإنما من أجل الأهداف السياسية التي أشرنا إليه في إذاعة قصائد التحلل والمجون المنسوبة إليه ، وأنهم لم يفعلوا ذلك لابن سينا أو الفردوسي أو الغزالي أو الزمخشري من أعلام الفكر الإسلامي ، لقد كان تعظيم الغربيين موجهاً في الصحيح وفي الواقع إلى تلك الرباعيات الخليعة التي مهدت لهم سبيل النيل من الإسلام وتعاليمه ودعوة أهل الشرق إلى التحلل الخلقي والحرية المطلقة والضعف والهوان)

ولقد أشار كثيرون إلى خطأ نسبة الرباعيات إلى عمر الخيام ، وفي مقدمتهم أرنست رينان الذي قال : إنها (أي الرباعيات) لا تتفق مع مفاهيمه واتجاهه العلمي، وأشار العلامة الطرازي إلى أنه لم يثبت أصلاً وجود نص حقيقي كتبه عمر الخيام للرباعيات ، ويتضح بإجماع باحثين أنها رباعيات موضوعة لا أصل لها وضعها دعاة الشعوبية واستغلها التبشير والاستعمار
والله أعلم

شكراااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا